اسم الکتاب : تفسير السمرقندي = بحر العلوم المؤلف : السمرقندي، أبو الليث الجزء : 1 صفحة : 541
قال تعالى: وَما تَنْقِمُ مِنَّا يعني: وما تعيب علينا، وما تنكر منا إلا إيماننا بالله تعالى.
ويقال: وما نقمتك علينا ولم يكن منا ذنب إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا يعني: لما ظهر عندنا أنه حق. ثم سألوا الله تعالى الصبر على ما يصيبهم لكي لا يرجعوا عن دينهم فقالوا:
رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً يعني: أنزل علينا صبراً عند القطع والصلب، ومعناه: ارزقنا الصبر وثبت قلوبنا حتى لا نرجع كفاراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ على دين موسى. وروي عن عبيد الله بن عمير أنه قال: كانت السحرة أول النهار كفاراً فجرة، وآخر النهار شهداء بررة. وقال بعض الحكماء: إن سحرة فرعون كانوا كفروا خمسين سنة فغفر لهم بإقرار واحد وبسجدة فكيف بالذي أقر وسجد خمسين سنة كيف لا يرجو رحمته ومغفرته؟.
قوله تعالى وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ يعني:
إن السحرة قد آمنوا به فلو تركتهما يؤمن بهما جميع أهل مصر، فيفسدوا في الأرض يعني:
موسى وقومه ويغيروا عليك دينك في أرض مصر وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ وذلك أن فرعون كان قد جعل لقومه أصناماً يعبدونها، وكان يقول لهم هؤلاء أربابكم الصغار، وأنا ربكم الأعلى. فذلك قوله تعالى: وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ يعني: يدعك ويدع أصنامك التي أمرت بعبادتها. وروي عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه كان يقرأ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ يعني: عبادتك وتعبدك. قال ابن عباس: كان فرعون يُعْبد ولا يَعْبُد. ويقال: معنى قوله: أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ يعني: يغلبوا عليكم، ويقتلون أبناءكم، ويستحيون نساءكم كما فعلتم بهم كما قال في آية أخرى إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ [غافر: 26] فقال لهم فرعون: سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ لأنهم قد كانوا تركوا قتل الأبناء، فأمرهم أن يرجعوا إلى ذلك الفعل. قرأ ابن كثير ونافع سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ بجزم القاف والتخفيف. وقرأ الباقون بالتشديد على معنى التكثير والمبالغة في القتل.
ثم قال: وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ أي: مسلطون فشكت بنو إسرائيل إلى موسى: